انظر إلى جسمك إنه إبداع . أفي الله شك

إن جسمنا مصنوع صنعا متقنا .. في هذا الموضوع سترون أن الجسم يتميز بقدرات لا يمكن أن تصنع بدون صانع مخطط .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
 بتاريخ: 2009-08-09

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الإسلام أربعة أقسام ؛ عقائد عبادات معاملات وآداب :

أيها الأخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس حقائق الإيمان والإعجاز العلمي ، ونحن في الدرس السابع والعشرين .
أيها الأخوة ، هناك موضوع متعلق بالعبادات ، وتذكرون أن الإسلام إن صحّ التعبير مثلث مقسم إلى أربعة أقسام ، قسم العقائد ، والعقائد أخطر شيء في الدين إن صحت العقيدة صحّ العمل ، إن صحّ العمل سلمت وسعدت ، إن فسدت العقيدة فسد العمل ، إن فسد العمل هلكت وشقيت في الدنيا والآخرة ، فالعقائد تقع في الدرجة الأولى ، في رأس هذه القائمة، وبعدها العبادات أركان الإسلام ؛ الصلاة عماد الدين ، الصيام ، الزكاة الحج ، الشهادة ، وتأتي بعد العبادات المعاملات ، الصدق ، الأمانة ، الرحمة ، الإنصاف ، العدل ، هناك تفاصيل ، أن تلبي دعوى ، أن تنصف في حكمك ، هذه تسمى المعاملات وهي مهمة جداً لأن العبادات الشعائرية لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت المعاملات ، فالصلاة لا نقطف ثمارها إلا بالاستقامة :
(( أتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ ، قَالَ : الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ . ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
العقائد ، والعبادات ، والمعاملات ، هناك ترابط خطير بين العبادات والمعاملات، فالعبادات الشعائرية كالصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية ، وفي نهاية المطاف تأتي الآداب ، الآداب تؤكد كمال المؤمن ، آدابه في الطعام والشراب ، آدابه في الضيافة ، آدابه في أفراحه ، في أتراحه ، فصار عندنا عقائد ، وعبادات ، ومعاملات ، وآداب .
الحاجة إلى التدين تنطلق من ضعف الإنسان :
في هذا اللقاء الطيب الحديث عن العبادات ، أول حقيقة أن هناك حاجة عند أي إنسان إلى الدين ، هذه حاجة فطرية ، لماذا ؟ لأن الإنسان خلق هلوعاً ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
( سورة المعارج )
في أصل خلقه هناك نقاط ضعف ، فهذا الضعيف يحتاج إلى جهة قوية يحتمي بها، يلجأ إليها ، تدعمه ، تنصره ، فالحاجة الأساسية هي حالة الضعف التي يعاني منها الإنسان :
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20)إِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)﴾
( سورة المعارج )
هذا الضعف في أصل خلق الإنسان لا بدّ من أن يبحث صاحبه عن جهة قوية يحتمي بها ، تدعمه ، تنصره ، تلبي طلبه ، تجيب دعوته ، فالمسلم والفضل لله عرف الإله الحقيقي ، عرف خالق السماوات والأرض ، عرف من بيده ملكوت كل شيء ، عرف الذي في السماء إله وفي الأرض إله ، عرف الذي يقول :
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)﴾

( سورة الكهف)
عرف الذي :
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ﴾
( سورة فاطر الآية : 2 )
هذه أول نقطة لكن بعض أهل الأرض توهموا أن الشمس إله فعبدوها من دون الله ، بعضهم توهم الشمس ، بعضهم القمر ، بعضهم الحجر ، بعضهم المدر ، بعضهم البحر، بعضهم بعض الحيوانات كالبقر ، بعضهم الجرذان ، شيء مخيف ، بشكل أو بآخر الحاجة إلى التدين تنطلق من ضعف الإنسان ، أما المؤمنون المسلمون عرفوا خالق السماوات والأرض فعبدوه لكن بعض أهل الأرض توهموا آلهة من دون الله ، هؤلاء الوثنيون .
الديانات الوضعية عبارة عن طقوس لا معنى لها إطلاقاً :
الذي أتمنى أن يكون واضحاً لديكم أن ما يسمى بالأعمال التي يقوم بها أصحاب الديانات الأرضية تسمى طقوساً ، لأنها حركات ، وسكنات ، وإيماءات ، وتمتمات لا معنى لها إطلاقاً ، فمرة كنت في أمريكا وأخذوني إلى معبد هندوسي ، يبعد عن لوس أنجلوس سبعين ميلاً ، وجدت الإله في مقدمة المعبد ، والله على صدره الألماس البرلنت ، يقدر بمئات الملايين ، هذا في صدر البهو الكبير ، ويأتي أتباع هذا الدين ينبطحون أمامه انبطاحاً ، لكن لفت نظري أن في مدخل هذا المعبد كسارة جوز هند ، سألت عنها فقيل لي : هذا الإله يحب جوز الهند ، شكرت الله على دين الإسلام .
والله وقعت تحت يدي مجلة ألمانية تصور أناساً يعبدون الجرذان ، و أبنية ضخمة عملاقة وآلاف الجرذان في هذا البناء هم الآلهة الجرذان ، يقدم لهم الحليب ، و الطعام الطيب، هم على كتف أتباعهم وعلى رؤوسهم ، هكذا البشر حينما تاهوا عن سواء السبيل ، فاشكروا الله عز وجل .
العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق :
لذلك موضوع الإنسان لأنه يحس بضعفه يحتاج إلى جهة يعبدها ، المؤمن عرف الله ، عبد الله من دون هذه الآلهة المضحكة ، في بعض البلاد في آسيا تدخل البقرة إلى محل فواكه ، ثمن الفواكه من أعلى الأسعار ، تأكل ما تشتهي من هذه الفواكه وصاحب المحل في قمة نشوته ، لأن إلهه دخل إلى دكانه ، هل تصدقون يوضع روث البقر في غرفة الضيوف ، هذه من مخرجات الإله ، يتعطرون ببول البقر ، اشكروا الله يا جماعة ، نحن بنعمة كبيرة نعبد إلهاً واحداً ، نعبد خالق السماوات والأرض ، فالديانات الوضعية لا يوجد عبادات يوجد طقوس ، حركات ، وسكنات ، وإيماءات ، وتمتمات لا معنى لها إطلاقاً ، لكن دقق في كلام الإمام الشافعي :
" العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق ".
الشريعة رحمةٌ كلها ، حكمة كلها ، مصالح كلها ، عدلٌ كلها ، وكل أمرٍ خرج من العدل إلى نقيضه ، ومن المصلحة إلى المفسدة ، و من العدل إلى الجور ليس من الشريعة ولو أُدْخِل عليها بألف تأويل وتأويل .
علة الصيام بنص الآية التالية هي التقوى :
الآن في هذا اللقاء الطيب أستعرض لكم الآيات المتعلقة بالعبادات ؛ في الصيام قال تعالى :
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾
( سورة البقرة)
﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
فكأن علة الصيام بنص هذه الآية هي التقوى ، التقوى أن ترى بنور الله ، أن تنطق بتوفيق الله ، التقوى أن ترى الحق حقاً والباطل باطلاً ، التقوى أن ترى الحق فتتبعه وأن ترى الباطل فتجتنبه ، التقوى نور يقذفه الله في القلب ، أنت حينما تصوم رمضان إيماناً واحتساباً وتدع المباحات ، الطعام والشراب مباح ، اللقاء الزوجي مباح، تدع في يوم رمضان المباحات تقرباً إلى الله الواحد الديان ، فالله عز وجل يلقي في قلبك نوراً يريك به الحق حقاً والباطل باطلاً .
إذاً :
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾
( سورة البقرة)

فالصيام معلل بالتقوى ، العبادات معللة بمصالح الخلق .
عظمة هذا الدين أنه ينمي في الإنسان الوازع الداخلي :
الصلاة :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
( سورة العنكبوت الآية : 45 )
الصلاة تعطيك الوازع الداخلي ، الإنسان ينتهي بالصلاة عن كل معصية ، عن كل عدوان ، عن كل ظلم ، عن كل افتراء ، عن كل احتيال ، مصلٍّ :
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

لكن دقق لو أن جهة أرضية وضعت قانوناً ، أي ممنوع بالقوانين النافذة بالعالم كله أن تستخدم الهاتف المحمول أثناء قيادة السيارة ، هذا المنع مرتبط بالشرطي ، فإذا لم يكن هناك أي شرطي معظم الناس يستخدمون الهاتف بعيداً عن أعين الشرطة ، مرة إنسان تجاوز الإشارة الحمراء ، وهناك كمين بعد حين أوقفه وضبطه بهذه المخالفة ، قال له : ألم ترَ الإشارة حمراء ؟ قال : والله رأيتها لكن لم أكن أراك ، لأن هذه الإشارة مربوطة بشرطي ، أما في أمور الدين تدخل إلى بيتك برمضان في شهر آب ، درجة الحرارة تقدر بخمسة وأربعين ، وتكاد تموت من العطش ، والثلاجة فيها الماء البارد ، وأنت في البيت وحدك ولا أحد يراك ، لا تستطيع أن تضع في فمك قطرة ماء ، هذا الدين .
بعني هذه الشاة وخذ ثمنها ، قال له الراعي : ليست لي ، قال : قل لصاحبها ماتت ، قال : والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟ 
عظمة هذا الدين أنه ينمي فيك الوازع الداخلي ، أي مسلم مؤمن يبيع مواد غذائية، فتح مستودع الزيت فإذا في المستودع فأرة هل يستطيع أن يبيع هذا الزيت للناس ؟ لا أحد رأى هذه الفأرة أخذها بملقط وألقاها في الحاوية ، أما هذا الزيت أصبح نجساً ، هل يستطيع إنسان يعبد الله أن يبيع هذا الزيت ؟ لا يستطيع ، الإيمان قيد ، أما أي إنسان آخر غير مؤمن لم يرَ أحد الفأرة فيبيع الزيت ، والله أنواع الغش التي يمارسها البعيدون عن الله لا يعلمها إلا الله .
قال لي إنسان اشتهيت كأس عصير برتقال ، برتقالة واحدة عصرها فملأت الكأس كله ، ليس معقولاً أخذت هذه البرتقالة خمسين سيروم ماء ، هناك غش ، لذلك المؤمن مستقيم، أعظم نتائج الإيمان الاستقامة :
(( إِنَّ الْإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ ))
[أحمد عن ابن الزبير ]
النظام الغربي قائم على الرادع الخارجي والنظام الإسلامي قائم على الوازع الداخلي :
لذلك النقطة الدقيقة أن العبادات معللة بمصالح الخلق ، فالصلاة تنمي فيك الوازع الداخلي ، أما القوانين كلها مبنية على الرادع الخارجي ، مثلاً تدخل إلى سوق كبير في العالم الغربي ، هناك بضائع بألوف المليارات ، على مخرج هذا السوق هناك من يحاسبك ، فأي مادة تحملها لم تدفع ثمنها فيها مادة معينة تتأثر بها الأبواب ، تغلق الأبواب فجأة ، يصدر صوت عجيب ، كأن هذا الصوت يقول : هذا سارق ، لذلك يدخل ملايين لا أحد يأخذ شيئاً من دون دفع ثمنه ، لكن لا يوجد أجر هناك لأن استقامتهم الكترونية ، فلو انقطعت الكهرباء وقع في بلد في الغرب مئتا ألف سرقة في ليلة واحدة قيمتها ثلاثين ملياراً ، النظام الغربي كله قائم على الرادع الخارجي ، والنظام الإسلامي قائم على الوازع الداخلي ، الوازع شيء مذهل فقط للتوضيح ، لو لم يكن في الإسلام صيام ، وأي دولة ارتأت أن الصيام مفيد جداً للناس ، فأصدرت مرسوماً وزارياً يُلزم المواطنين بصيام شهر معين ، كم إنسان يصوم ؟ يدخل للحمام يشرب الماء ، مستحيل أن يضبط هذا الأمر أما الدين ضبطه .
الاستقامة على أمر الله سبحانه و تعالى تُبعد الإنسان عن الانحراف :
أيها الأخوة الكرام ، حرم الخمر في أمريكا في عام ثلاثة وثلاثين ، قرأت بحثاً مذهلاً ، حوالي أربعمئة ألف دخلوا السجون ، ومئات أعدموا ، وملايين النشرات ، والخمر يزداد الإقبال عليه ، بل صنعت سفن لتهريب الخمر ، وبعد عشر سنوات استسلموا وأباحوا الخمر ، انظر إلى المسلم بآية واحدة لا يمكن للمسلم أن يجلس على طاولة فيها خمر ، غير الشرب ، لا يجلس على طاولة فيها خمر ، هذا الدين ، الحقيقة مستحيل أن تنتظم الحياة من دون دين ، تقول لي : ضمير مسلكي ، ضمير مسلكي على ألف يترفع عنهم ، أما مليون عنده فتوى ، الضمير المسلكي لا يكفي ، يقول لك : هذا عنده تربية بيتية لا تكفي ، أما إن كان فيه إيمان فلا يمكن أن يأخذ قرشاً حراماً ، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر هذه علتها :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
( سورة العنكبوت الآية : 45 )
الصيام :

﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

الزكاة :

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا (103)﴾
(سورة التوبة)
فالزكاة تطهر الغني من الشح ، وتطهر الفقير من الحقد ، تطهر المال من تعلق حق الغير به ، تزكي نفس الغني فيشعر بقيمته ، يشعر أن ماله عاد ابتسامة على أفواه الفقراء، تزكي نفس الفقير يشعر أن المجتمع مهتم به ، يحس بقيمته ، جاءته المواد والمساعدات تزكي المال ، تنمي المال ، فالزكاة معللة بالتطهير والتزكية ، والصيام معلل بالتقوى ، والصلاة معللة بالنهي عن الفحشاء والمنكر ، والحج :
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ (97)﴾
(سورة المائدة)
حينما تعلم أن الله يعلم استقمت على أمره ، كل العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق .
الصلاة معراج المؤمن :
لذلك هناك آية دقيقة جداً :
﴿ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ (63)﴾
(سورة البقرة)
أنا أتمنى على الإنسان ألا يصلي صلاة فيها غفلة ، فيها حركات ، وسكنات ، وتمتمات لا معنى لها ، إله عظيم أمرك بالصلاة ، أمرك أن تتصل به ، أن تقبل عليه ، أن تدعوه ، أن تقترب منه :
﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾
( سورة العلق)
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾
( سورة طه)
الصلاة معراج المؤمن ، الصلاة طهور ، الصلاة نور ، الصلاة حبور ، الصلاة عقل ، الصلاة قرب ، الصلاة ذكر ، فلذلك :
(( ليس كل مصلٍّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكفّ شهواته عن محارمي ، ولم يصر على معصيتي .... ))
[ أخرجه الديلمي عن حارثة بن وهب ]
إلى آخر الحديث .
رمضان شهر عبادة فعلينا الابتعاد عن الولائم و السهرات و الاختلاط :
إذاً : العبادات معللة بمصالح الخلق ، فأي إنسان صام رمضان ولم ينتبه إلى حكمته ، أو إلى علته ، فكأنه ترك الطعام في نهار رمضان وبالغ بأكله في ليل رمضان ، وسهرات ، وولائم ، واختلاط ، يقول : خيمة رمضانية تبدأ بأذان المغرب بعد الطعام تنتهي بالرقص و الموسيقا ، صار الصيام شهراً اجتماعياً ليس له علاقة بالعبادة إطلاقاً ، الحفلات ، الولائم ، اللقاءات ، الاختلاط .
مرة دعيت إلى إلقاء محاضرة في بلد عربي مسلم ـ طبعاً الطعام بفندق ـ أنا توقعت أن الناس كلهم في بيوتها لأنهم صائمون ، و إذ وجدت أنه لا يوجد مكان في المطعم كله ، نساء بأبهى زينة لا يوجد صلاة مغرب ، ولا حجاب ، ولا انضباط ، ولا شيء ، هذا الشهر صار شهراً اجتماعياً و لم يعد عبادة ، بعد ذلك كل الأعمال الفنية إكراماً لشهر رمضان المبارك ، الفاضحة ، المتفلتة ، التي تثير الأعصاب إكراماً لشهر رمضان المبارك ، اختلف الدين ، رمضان شهر عبادة :
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾
( سورة البقرة)
كي تصل إلى مرتبة التقوى .
الصلاة :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
( سورة العنكبوت الآية : 45 )
كأن النبي أخبرنا عن آخر الزمان :
(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا ، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
[ ابن ماجه عن ثوبان ]
فنحن إن شاء الله نتمنى أن يكون صيامنا صياماً مقبولاً ، هناك استقامة ، هناك غض بصر ، هناك ضبط لسان ، اللهم أعنا على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان .
العبادات ليست طقوساً تؤدى شكلياً إنما هي أعمال معللة بمصالح الخلق :
أيها الأخوة ، هذا الصيام ، هذا الحج ، هذه الزكاة ، هذه الصلاة ، العبادات معللة بمصالح الخلق :
﴿ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ (63)﴾
(سورة البقرة)
كيف تأخذه بقوة ؟
﴿ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ (63)﴾
(سورة البقرة)
مثلاً لو أن أباً يطمح أن يكون ابنه من أهل العلم ، وألزمه بمعهد إسلامي ، فكلما دخل إلى غرفته فوراً يضع الابن الكتاب ، ويوهم أباه أنه يقرأ ، طبعاً هذا عمل شكل ، أما الابن الحقيقي يتعلم ، يقرأ ليتعلم ، الابن سأل الأب كم تريد أن يكون بُعد الكتاب عن طرف الطاولة ، ما هذا السؤال ؟ قال له : كيفما كان لكن اقرأ ، قال : كم تريد أن يكون ميل الكتاب، أو بعده عن الطرف اليميني أو الطرف اليساري ، قال له : اقرأ وخلصني ، فالإنسان إذا نسي الهدف الكبير تعلق بتفاصيل مضحكة ، فكلما ابتعدت عن الهدف الكبير انصرفت إلى تفاصيل لا تقدم ولا تؤخر .
العبادات ليست طقوساً تؤدى شكلياً ، العبادات أعمال معللة بمصالح الخلق ، الشريعة عدلٌ كلها ، رحمةٌ كلها ، حكمة كلها ، مصالح كلها ، وكل قضية خرجت من العدل إلى الجور ، ومن الحكمة إلى خلافها ، ومن المصلحة إلى المفسدة ، ليست من الشريعة ولو أُدْخِلت عليها بألف تأويل وتأويل .
الصلاة مع الاستقامة والعمل الصالح مناسبة للإقبال على الله والاتصال به والتمتع بقربه :
أيها الأخوة ، الذي أتمناه أن تؤدى العبادت الشعائرية ومنها الصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، أداءً كما أراد الله ، ينبغي أن يسبقها استقامة ، لأن الصلاة مثلاً :
﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)﴾
(سورة البقرة)
الصلاة من دون استقامة كبيرة ثقيلة على الإنسان ، أما الخاشع :
(( أرحنا بها يا بلال ))
[ أبو داود عن سالم بن أبي الجعد ]
وغير الخاشع أرحنا منها ، هذا الفرق بين الخاشع وبين غير الخاشع :
(( أرحنا بها يا بلال ))
[ أبو داود عن سالم بن أبي الجعد ]
جعلت قرة عيني في الصلاة ، فالصلاة مع الاستقامة والعمل الصالح مناسبة للإقبال على الله ، والاتصال به ، والتمتع بقربه ، والسعادة بقربة ، من دون استقامة عبء ، حركات وسكنات طبعاً تفتح بالتكبير و تنتهي بالتسليم وانتهى الأمر .
قال إنسان لآخر : صليت المغرب أربع ركعات ، قال له : لا ، بل ثلاثة ، سأله هل أنت متأكد ؟ قال له : نعم ، قال له : ما الدليل ؟ قال له : عندي ثلاثة صناديق في عملي التجاري ، في فرق بالصناديق الثلاثة بكل ركعة حليت مشكلة صندوق ، أنا صليت ثلاثة لا كما تظن .
حلّ كل مشاكله بالصلاة ، فكر بهذه القضية ، فالتقصير ، و المخالفات ، و المعاصي تحجب الإنسان عن الله ، فالوقفة ليس لها معنى ، أي عمل آخر له معنى ، تأكل ، تلبس ، تمشي ، لكن الصلاة إذا لم يكن معها استقامة ليس لها معنى ، وقوف ، وحركات ، وسكنات ، أما مع الاستقامة والعمل الصالح إقبال على الله ، اتصال بالله ، اتصال بالله ، قرب من الله ، سعادة بالله عز وجل .
بطولة الإنسان أن يستوعب معاني العبادات التي يؤديها :
أيها الأخوة هذا الموضوع عنوانه : "العبادات معلقة بمصالح الخلق" ، هذه كلمة قالها الإمام الشافعي ، فنحن بالصلاة ، بالصوم ، بالحج ، بالزكاة ، المفروض ألا يغيب عنك أبداً حكمة هذه العبادات ، ألا يغيب عنك أبداً المقاصد الكبيرة من هذه العبادات ، ألا يغيب عنك أبداً أن البطولة لا أن تؤديها أداءً شكلياً ، البطولة أن تستوعب معاني هذه العبادات ، بصراحة الصيام مناسبة أن تنتقل من حال إلى حال ، من مقام إلى مقام ، بالصيام تتابع الترقي، لكن بعض الناس بالصيام يدافعون التدني ، أنت بالصيام تتابع الترقي ، أنت بالصيام تحقق قفزة نوعية .
الموضوع العلمي :
جسم الإنسان أقرب شيء إليه و هو من آيات الله الدالة على عظمته ويتمثل ذلك في :
أيها الأخوة الكرام ، ننتقل إلى الموضوع العلمي .
1 ـ الشعر :

أحياناً الإنسان يجد جسمه أقرب شيء له ، هناك بعض الأرقام اللطيفة حول جسم الإنسان ، قيل : في رأس كل منا ثلاثمئة ألف شعرة تقريباً ، لكل شعرة وريد ، وشريان ، وعصب ، وعضلة ، وغدة دهنية ، وغدة صبغة





2 ـ العين :

في شبكية العين عشر طبقات ، فيها مئة وثلاثون مليون عصي ومخروط ، الشبكية مساحتها ميليمتر وربع ، أو ثلث ، فيها مئة وثلاثون مليون عصي ومخروط ، بينما أرقى آلة تصوير رقمية احترافية ، فيها بالميليمتر عشرة آلاف ، بالعين يوجد مئة مليون .




3 ـ الأذن :
في الأذن ، ثلاثون ألف خلية سمعية ، أي حتى من باب تكريم الله لنا من أجل أن تعرف اتجاه الصوت جعل الله لك أذنين ، فأي صوت يصل إلى الأولى قبل الثانية هناك جهاز في الدماغ يحسب تفاضل وصول الصوتين إلى الأذنين ، أنت تمشي في الطريق ، سمعت بوق مركبة وراءك ، هذا البوق دخل إلى هذه قبل هذه ، التفاضل واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءاً من الثانية ، يكتشف جهاز في الدماغ معقد جداً أن السيارة على اليمين فينحرف نحو اليسار ، فأنت مزود فوق السمع بطريقة تعرف جهة الصوت .
4 ـ اللسان :
في سطح اللسان تسعة آلاف نتوء ذوقي ، لمعرفة الطعم الحلو ، والحامض ، والمر ، والمالح .
أي حرف تنطقه يسهم في صنعه سبع عشرة عضلة ، كل حرف ، فإن كانت الكلمة خمسة حروف ضرب خمسة ، والجملة خمس كلمات ، والمحاضرة ثلاثة آلاف كلمة مثلاً .
في الفم غشاء مخاطي هذا الغشاء فيه خمسمئة ألف خلية ، يموت في كل خمس دقائق نصف مليون خلية ليحل محلها نصف مليون خلية جديدة .
5 ـ كريات الدم الحمراء :
كريات الدم الحمراء لو صفّ بعضها إلى جانب بعض لزاد طولها على محيط الأرض ستة أضعاف ، صار شريطاً يلف الأرض ست مرات ، بكل ميليمتر مكعب من الدم هناك خمسة ملايين كرية حمراء ، وكل كرية تجول ألف وخمسمئة جولة في الجسم ، وتقطع مسافة تقدر بألف ومئة وخمسين كيلو متر ، يموت في كل ثانية ما يقدر باثنين ونصف مليون كرية ، ويولد في كل ثانية ما يقدر باثنين ونصف مليون كرية :
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾
( سورة لقمان الآية : 11 )
6 ـ القلب :
القلب يضخ في عمر متوسط ما يملأ أكبر ناطحة سحاب في العالم ، وينبض في الدقيقة الواحدة من ستين إلى ثمانين نبضة ، ينبض في اليوم مئة ألف مرة ، يضخ ثمانية أمتار مكعبة من الدم كل يوم ، أنت أحياناً تستهلك وقوداً سائلاً يقدر بمتر مكعب طوال العام ، قلبك يضخ كل يوم ثمانية أمتار مكعبة من الدم .
في دماغ الإنسان أربعة عشر مليار خلية قشرية تستند إلى مئة وأربعين مليار خلية لم تعرف وظيفتها بعد .


7 ـ الرئتان :
في الرئتين سبعمئة مليون سنخ رئوي كعناقيد العنب ، هذه الأسناخ الرئوية لو نشرت لاحتلت مساحة تقدر بمئتي متر مربع ، الرئتان تخفقان في اليوم خمسة وعشرين ألف مرة وتستنشقان مئة وثمانين متراً مكعباً من الأوكسجين .





8 ـ الكبد :
image
في الكبد ثلاثمئة مليار خلية يمكن أن تجدد كلياً في أربعة أشهر ، أحد أخواننا متفوق جداً في جراحة الكبد قال لي : استأصلت أربعة أخماس الكبد لأنه مصاب بالتشمع والخمس الأخير بحالة سليمة ، أعاد الكبد بناء نفسه ، بعد ستة عشر أسبوعاً عاد كما كان ، وأسرع خلية في التوالد خلايا الكبد .



9 ـ المعدة :

في جدار المعدة مليار خلية تفرز من حمض كلور الماء ما يزيد عن عدة لترات في اليوم الواحد ، وهناك سؤال كبير لماذا لا تهضم المعدة نفسها ؟ تأكل اللحم واللحم يهضم في المعدة و المعدة نفسها من اللحم ، فكيف لا تهضم المعدة نفسها ؟



10 ـ الأمعاء :
في الأمعاء في كل سنتمتر ثلاثة آلاف وستمئة زغابة ، هذه تتجدد كل ثمان وأربعين ساعة ، أي أمعاؤك في كل ثمان وأربعين ساعة تتجدد كلياً ، أقصر عمر هو عمر زغابات الأمعاء ، و أطول عمر هو عمر العظم كل خمس سنوات ، فأنت كل خمس سنوات إنسان آخر بجلدك ، بعظمك ، بشعرك ، عدا الدماغ والقلب ، لو كان الدماغ يتغير والله كنت طبيباً ، ذهبت المعلومات ، كل خبراتك بالدماغ و ذكرياتك ومعارفك .


11 ـ الكلية :

في الكليتين مليونا وحدة تصفية ، في كل كلية مليون وحدة تصفية ، طولها مجتمعة مئة كيلو متر ، يمر فيها الدم في اليوم خمس مرات .






12 ـ الجلد :
تحت سطح الجلد خمسة عشر مليون مكيف لحرارة البدن ، التعرق هناك غدد عرقية ، هذه الغدد عبارة عن مكيف ، عندما يكون الحر شديداً تفرز الماء ، الماء سخن وامتص هذه الحرارة ، تماماً كحديدة ضعها على النار حتى تحمر ، إن صببت عليها كأس ماء تبرد ، الماء صار يغلي أخذ الحرارة وبرد الحديد ، بالضبط كالإنسان عندما يعرق ، العرق يمتص الحرارة ، العرق بالإنسان تكييف لكن على الماء .
أيها الأخوة الكرام ، هذه بعض الحقائق المتعلقة بالجسم لذلك قال تعالى :
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾
( سورة الذاريات )

إليكم هذا الفيديو 

والحمد لله رب العالمين

Post a Comment

يمكنك التعليق على هذا الموضوع

Previous Post Next Post